کد مطلب:167932 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:202

الخدعة المشترکة
فی قصة حبس هانیء بن عروة (رض) هناك دور خیانیُّ لاریب فیه، تقمّصه عمرو بن الحجّاج الزبیدی المتفانی فی امتثال أوامر أعداء أهل البیت (ع) مع أنّ هانئاً (رض) كان صهراً له! ودور خیانیُّ صریح آخر تقمّصه شریح القاضی العُمریّ الامویّ المیل والهوی، [1] بتنسیق وتخطیط من ابن زیاد لعنه اللّه.

تقول الروایة التأریخیة: (وبلغ عمرو بن الحجّاج أنّ هانیاً قد قُتل! فأقبل فی مذحج حتی أحاط بالقصر ومعه جمع عظیم، ثم نادی: أنا عمر بن الحجّاج، وهذه فرسان مذحج ووجوهها، لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة، وقد بلغهم أنّ صاحبهم قُتل فأعظموا ذلك!

فقیل لعبیداللّه بن زیاد: هذه مذحج بالباب!

فقال لشریح القاضی: أُدخلْ علی صاحبهم فانظر إلیه، ثم أخرج وأعلمهم أنّه حمیُّ لم یُقتل!

فدخل شریح فنظر إلیه، فقال هانی لمّا رأی شریحاً: [2] یاللّه! یاللمسلمین!


أهلكت عشیرتی!؟ أین أهل الدین!؟ أین أهل المصر!؟ والدماء تسیل علی لحیته، إذ سمع الرجّة علی باب القصر فقال: إنّی لاظنّها أصوات مذحج وشیعتی من المسلمین، إنّه إنْ دخل علیَّ عشرة نفر أنقذونی!

فلمّا سمع كلامه شریح خرج إلیهم، فقال لهم: إنّ الامیر لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم فی صاحبكم أمرنی بالدخول إلیه، فأتیته فنظرت إلیه، فأمرنی أن ألقاكم وأعرّفكم أنّه حیُّ، وأنّ الذی بلغكم من قتله باطل!

فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذا لم یُقتل فالحمد للّه! ثمّ انصرفوا!). [3] .

وفی روایة الدینوری: (فقال لهم سیّدهم عمرو بن الحجّاج: أما إذ كان صاحبكم حیّاً فما یعجلكم الفتنة!؟ انصرفوا!. فانصرفوا). [4] .

لقد تجسّد دور شریح القاضی الخیانی وما أكثر أدواره الخیانیّة فی ممارسته التوریة فی عبارته الاخیرة: (فأمرنی أن القاكم وأعرّفكم أنّه حیّ، وأنّ الذی بلغكم من قتله باطل!) لانه أتی بهذه العبارة بعد قوله لهم: (فأتیته فنظرت إلیه)، فكأن الذی أمره هو هانی (رض) نفسه لاابن زیاد، لیشیع فی نفوسهم الطمأنینة، ولیوحی لهم أنّ هائناً یقول: إنّ الذی أثاركم وألّبكم خبرٌ باطل، ولاداعی لهذه الاثارة وهذه الفتنة!

وهنا یواصل عمرو بن الحجّاج دوره الخیانی الطویل، فلایردُّ علی شریح


القاضی فیقول مثلاً: لنرَ سیّدنا هانئاً ولنكلّمه أو لنخرجنّه من القصر عنوة! أو مایشبه هذا القول، أو لایكتفی بقول شریح فیدخل القصر وهو من المقرّبین لابن زیاد لیری بنفسه هانئاً وحقیقة ما جری علیه داخل القصر!!

بل نراه یؤكد صحة مقالة شریح ویخاطب جموع مذحج الثائرة قائلاً: (صدق، لیس علی صاحبكم یأس ‍ فتفرّقوا!). [5] ، (أمّا إذا كان صاحبكم حیّاً فما یُعجلكم الفتنة!؟ انصرفوا) فتنصرف هذه الجموع فاشلة وقد ذهبت ریحها، وأكثرهم یحبُّ العافیة لتفشّی (الوهن: حب الدنیا وكراهیة الموت) فی قلوبهم، ولو انبعث فی تلك اللحظات الحاسمة رجال من مذحج فأنكروا علی الزبیدی الخائن [6] رأیه وموقفه، وحرّضوا جموع مذحج علی اقتحام القصر وإطلاق سراح هانی (رض) ثمَّ واصلوا تطهیر الكوفة من كلّ رجس أمویّ، لكان قد كُتب لمذحج دور ریادیّ فی تغییر مجری تأریخ حیاة المسلمین، یُذكر فیشكُر إلی قیام الساعة، لكنّهم آثروا طاعة ابن الحجاج الزبیدی حرصاً علی احترام عرف قَبَلیّ وحُبّاً للعافیة! وإن كان ذلك خلافاً


لما هو أحقُّ وأهمّ!، فكُتب لهم دور فی الخذلان والخیبة، ماتلاه التأریخ علی مسامع الاجیال إلاّ وبعث فی العقول والقلوب استنكاراً وریبة ونفورا!!


[1] لمّا نهي أميرالمؤمنين عليُّعليه السلام الناس في مسجد الكوفة عن الجماعة في صلاة التراويح كان شريح يصيح: واسنّة عُمراه (راجع: تنقيح المقال، 2:83)، وكان عثمانياً.

[2] وفي رواية للطبري: (فمَّر بهانيء بن عروة، فقال له هانيء: إتّقِ اللّه يا شريح فإنه قاتلي! فخرج شريح حتّي قام علي باب القصر فقال: لابأس عليه! إنما حبسه الامير ليسائله!) (تاريخ الطبري، 3:276)، وفي رواية أخري للطبري: (وأمر عبيداللّه مهران أن يُدخل عليه شريحاً، فخرج فأدخله عليه ودخلت الشرط معه، فقال: يا شريح، قد تري ما يُصنع بي! قال: أراك حيّاً! قال: وحيُّ أنا مع ما تري!؟ أخبر قومي أنّهم إنْ انصرفوا قتلني! فخرج إلي عبيداللّه فقال: رأيته حيّاً، ورأيت أثراً سيئاً! قال: وتنكر أن يُعاقب الوالي رعيّته!؟ أخرج إلي هؤلاء فأخبرهم. فخرج، وأمر عبيداللّه الرجل أي مهران فخرج معه، فقال لهم شريح: ما هذه الرعّة السيئة!؟ الرجل حيُّ، وقد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه!! فانصرفوا ولاتُحلّوا بأنفسكم ولابصاحبكم. فانصرفوا!)، (تاريخ الطبري، 3:283).

[3] الارشاد: 192.

[4] الاخبار الطوال: 238.

[5] تأريخ الطبري، 3:276.

[6] إنّ استمرار ولاء عمرو بن الحجّاج الزبيدي لابن زياد لعنه اللّه حتّي بعد مقتل هاني بن عروة (رض) ليؤكّد حقيقة أنّ هذا الرجل قد تواطاء مع ابن زياد منذ البدء لقتل هاني (رض)، فكان رسول غدرٍ، ثم ركب موجة غضب مذحج ليخدع جموعها الثائرة وليصرفهم عن إخراج زعيمهم من القصر بقوّة السلاح، متآمراً عليهم في تنفيذ الخدعة المشتركة لتضليلهم، فهو كما يقول أميرالمؤمنين عليه السلام في حقّ الاشعث بن قيس: (وإنّ أمراءً دلَّ علي قومه بالسيف، وساق إليهم الحتف، لحريُّ أن يمقته الاقرب، ولايأمنه الابعد!)، (نهج البلاغة: 61-62، رقم 19)، وكفي بعمرو بن الحجاج عاراً وخزياً في الدنيا والاخرة إشتراكه في جيش ابن زياد لقتال الامام عليه السلام، ومنع الماء عنه وعن أصحابه وأهله، وتحريضه الناس في كربلاء علي التزام طاعة يزيد وعلي قتل الامام عليه السلام.